إحياء النظام الملكي في ليبيا: سراب بعيد المنال أم هدف يمكن تحقيقه؟
يتوق الليبيون إلى السلام والاستقرار في بلدهم الذي مزقته الحرب الأهلية والصراعات السياسية بين الأطراف المتحاربة على السلطة منذ سقوط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي قبل 13 عاماً.
وبات بعض الليبيين يعتقدون أن الطريقة التي سيعود بها الاستقرار إلى بلادهم، تكمن في إعادة العمل بدستور عام 1951، وعودة الوريث الشرعي للتاج السنوسي، محمد الرضا السنوسي (62 عاماً)، بحسب تقرير نشره موقع أفريكا ريبورت؛ المؤسسة الإعلامية التابعة لمجموعة جون أفريك الإعلامية الفرنسية.
وفي خضم حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها البلاد، يبرز سؤال على السطح: هل استعادة النظام الملكي من الممكن أن تكون مفتاحاً لاستعادة الاستقرار في ليبيا مستقبلا؟ وهل يمكن تحقيق ذلك على أرض الواقع، أم أنه سيظل مجرد حنين إلى زمن يحلم أصحاب الطرح من خلاله بمداواة جروح وطنهم؟
يعتقد بعضهم أن وجود شخصية ملكية سيكون بمثابة قاسم مشترك بين جميع الأطراف المتحاربة في ليبيا. وبالفعل هناك مبادرات عدة لإعادة العائلة المالكة إلى البلاد.
تبدو الفكرة بعيدة المنال، لكن أنصارها يكثفون مبادراتهم، والتي كان آخرها رسالة نشرها "ليبيا أوبزيرفر"، وهو موقع إخباري مستقل يركز على تقديم الأخبار والتحليلات المتعلقة بليبيا. حيث ذكر الموقع أن 75 عضواً من أعضاء مجلس الدولة، وجهوا رسالة إلى أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في الخامس من أغسطس/آب الماضي، يطلبون فيها دعمه في مساعدتهم على عودة نظام الملكية الدستورية بقيادة ولي العهد محمد الحسن الرضا المهدي السنوسي وإعادة العمل بدستور عام 1951 الذي تم وضعه بعد حصول البلاد على استقلالها.
وتقول ماري فيتزجيرالد، وهي باحثة في معهد الشرق الأوسط، بواشنطن، لبي بي سي عربي: " هذه الدعوات للعودة إلى النظام الملكي موجودة منذ سقوط القذافي، لكنها اكتسبت زخماً خاصاً بعد انزلاق ليبيا إلى حرب أهلية في عام 2014. إن الدعم لمثل هذا السيناريو دليل على اليأس الذي يشعر به كثير من الليبيين بعد فشل الحوارات وخرائط الطريق السياسية على مدى العقد الماضي. وفي حين يعتقد بعضهم أن العودة إلى النظام الملكي قد تحل مشاكل البلاد، يرى آخرون أن هذا تفكير متفائل متجذر في الحنين إلى عصر المملكة، وأن ليبيا المعاصرة تحتاج إلى إطار سياسي جديد أكثر ملاءمة للعصر الحديث لمعالجة تحدياته المتعددة بدلاً من الحنين إلى المملكة".
وصرح جايسون باك، مؤلف كتاب "ليبيا والاضطرابات العالمية المستمرة" لبي بي سي عربي بأن "هذا التوق المزعوم لاستعادة النظام الملكي موجود بين بعض العائلات النخبوية ومعظمهم في الغالب من الجيل الأكبر سناً، في برقة. إنه ليس حركة واسعة النطاق ولن يكون كذلك أبداً".
" في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانت الطريقة الصوفية السنوسية هي القوة التنظيمية الاجتماعية الأكثر أهمية في شرق ليبيا وجنوبها وكانت الروابط مع بريطانيا هي العلاقة الدولية الرئيسية لليبيا من أجل معارضة الاستعمار الإيطالي. والآن لم يعد كلا العاملين موجودين في اللعبة ولن تحظى الملكية بدعم واسع النطاق أبداً، لأنها لا تمتلك أسساً حقيقية في التاريخ الليبي، كما أن الملكية التي تأسست بواسطة البريطانيين والأمم المتحدة ، لم تستمر سوى 18 عاماً. إنها تختلف تماماً عن ارتباط الإيرانيين في الشتات بالشاه الإيراني، لأن إيران لها تاريخ يمتد إلى 2500 عام مع الملكية. بينما في ليبيا، تعد الملكية وامتدادها خارج برقة نتاجاً لخيال الإمبراطورية المتأخرة. ومع ذلك، كلما ساء الوضع في ليبيا وقلت فرص التوصل إلى حل سياسي يوحد البلاد، كلما زاد عدد أنصار النظام الملكي الذين يرفعون راية السنوسي ويزعمون أنه وحده القادر على استعادة الاستقرار والازدهار".
إذاً، كيف كانت القوى الأجنبية تنظر إلى ليبيا وتتفاعل معها في عهد الملك إدريس السنوسي، وهل أثر ذلك على وجهات النظر الليبية الحديثة تجاه النظام الملكي؟
تقول فيتزجيرالد، لبي بي سي عربي "إنه في الوقت الذي تم فيه اكتشاف احتياطيات النفط الهائلة في ليبيا ــ وهي الأكبر في أفريقيا - خلال العهد الملكي - أشرف الملك على وصول شركات النفط الغربية إلى البلاد. كان الملك إدريس قريباً من القوى الغربية، الأمر الذي استخدمه الانقلابيون في عام 1969، بما في ذلك القذافي، ضده بدافع الروح القومية العربية التي كانت تجتاح المنطقة في تلك الفترة. لذلك يحتفظ أولئك الذين يحنون إلى عهد القذافي بنظرة سلبية إلى عهد المملكة، في حين أن العديد ـ وليس الجميع، ممن عارضوا القذافي لديهم نظرة أكثر تعاطفاً مع عهد الملك إدريس".
ويقول رونالد بروس سانت جون، وهو مؤرخ أمريكي ومؤلف في العلاقات الدولية، بما في ذلك خمسة كتب حول ليبيا، لبي بي سي عربي: "لقد أبرمت بريطانيا العظمى والولايات المتحدة مع النظام الملكي اتفاقيات بشأن بناء قواعد عسكرية في عامي 1953 و1954، مقابل حصول الليبيين على المساعدات الاقتصادية وغيرها من المساعدات. وبمجرد أن بدأت عائدات النفط تتدفق إلى الاقتصاد الليبي، لم يعد الشعب الليبي معتمداً على الدخل العائد من القواعد. وفي الوقت نفسه، انطلقت ثورة في التوقعات المتزايدة، حيث كان الليبيون حريصين على التغيير، وسعوا إلى تبني أيديولوجية شاملة من شأنها أن ترضي وتشبع هذا التوق لديهم. لكن النظام الملكي أخطأ تماماً في قراءة عمق واتساع المشاعر الشعبية، وقلّل من شأن حاجة مواطنيه إلى تحقيق الأيديولوجية. وكنتيجة، أثبتت القومية الليبية الناشئة عجزها على التغلب على التأثير السلبي للولاءات القبلية والدينية والإقليمية والجاذبية الإيجابية للقومية العربية. وبعد أن أدركت بريطانيا والولايات المتحدة، ودول غربية أخرى، أن النظام الملكي قد استنفد طاقته، سارعت إلى إقامة علاقات تجارية مع حكومة القذافي الثورية بعد انقلاب الأول من سبتمبر/أيلول 1969. ومن هذا المنظور، لا أعتقد أن القوى الأجنبية كان لها تأثير كبير على وجهات النظر الليبية الحديثة بشأن النظام الملك".