الاغتصاب كسلاح حروب: من روما القديمة إلى السودان المعاصر
منذ العصور القديمة وحتى النزاعات المعاصرة، استخدم العنف الجنسي كوسيلة لتحقيق الأهداف العسكرية والسياسية. وتعد النساء والأطفال من أبرز الضحايا، حيث يُستخدم اغتصابهم كوسيلة لتخويف وإذلال المجتمعات المستهدفة. يستعرض في هذا المقال كيفية استخدام الاغتصاب كأداة من أدوات الحرب وكيف تطورت هذه الاستراتيجية عبر العصور، مع التركيز على أبرز الأمثلة التاريخية والحديثة.
اغتصاب النساء السابين: جريمة ابتدائية
في القرن الثامن قبل الميلاد، واجه رومولوس، مؤسس مدينة روما، نقصًا في النساء لتأمين النسل وتعزيز قوة المدينة. فخطط لجذب نساء السابين إلى مهرجان سباق العربات، حيث اختطف الرومان نحو 600 امرأة من الشابات غير المتزوجات، وطردوا الباقيات. كانت هذه الحادثة من بين أوائل استخدام العنف الجنسي كسلاح لتأسيس قوة جديدة، وعندما رفض السابينيون استرجاع الأسيرات، اندلعت حرب. انتهت الحرب باتحاد الشعبين في مملكة مشتركة، ولكن التوترات والتداعيات النفسية ظلت باقية.
مذبحة نانجينغ: الاغتصاب كاستراتيجية حرب
في ديسمبر 1937، وبعد معركة نانجينغ، ارتكب الجيش الإمبراطوري الياباني واحدة من أبشع الفظائع في التاريخ الحديث. المذبحة التي استمرت لستة أسابيع شملت عمليات قتل جماعي واغتصاب جماعي للمدنيين الصينيين. تقديرات الباحثة إيريس تشانغ تشير إلى أن عدد النساء اللواتي اغتُصبن يتراوح بين 20 ألفًا و80 ألف امرأة. تم استهداف النساء من جميع الأعمار والطبقات الاجتماعية، بما في ذلك الراهبات والحوامل. كان الاغتصاب جزءًا من سياسة مخططة لترويع وإخضاع الشعب الصيني، واستخدام النساء كجوائز للجنود.
**القرن التاسع عشر: الاغتصاب خلال المهدية**
في نهاية القرن التاسع عشر، خلال فترة حكم الإمام محمد أحمد المهدي في السودان، أُبيح لأنصاره اغتصاب النساء كجزء من الحرب ضد القوات البريطانية والمصرية. كان المهدي نفسه لديه العديد من الزوجات والسبايا. تطور هذا النهج الوحشي في فترة المهدية ليشمل انتهاكات عدة، حيث استخدم العنف الجنسي كأداة للإخضاع والترهيب.
**حرب دارفور: الاغتصاب كسلاح للتطهير العرقي**
بدأت حرب دارفور في عام 2003، حيث استخدم الاغتصاب كوسيلة لإبادة جماعية وتهجير قسري للمدنيين. تقارير منظمة العفو الدولية تفيد بأن النساء تعرضن للاغتصاب العلني وأحيانًا تحت التهديد بالقتل أو التعذيب. استخدم الاغتصاب كأداة لترهيب المجتمعات المحلية وإجبارها على النزوح، وخلق وصمة عار اجتماعية.
**حادثة تابت: الاغتصاب الجماعي والتستر**
في أكتوبر 2014، شهدت بلدة تابت في شمال دارفور سلسلة من الهجمات العسكرية التي شملت اغتصاب جماعي للنساء والفتيات. ورغم نفي الحكومة السودانية للوقائع، وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحادثة من خلال إفادات الضحايا. استخدم الاغتصاب كوسيلة لترهيب وإسكات السكان، وكانت هذه الحادثة جزءًا من استراتيجية منهجية لارتكاب جرائم الحرب.
**جنوب السودان: الاغتصاب كأداة للعنف الإثني**
في النزاع الذي اندلع في عام 2013 بين قبائل الدينكا والنوير، استخدم الاغتصاب كوسيلة لإخضاع المدنيين وضمان السيطرة. وثقت تقارير الأمم المتحدة العديد من حالات الاغتصاب التي ارتكبها الجنود، حيث تم استخدام العنف الجنسي كوسيلة لإرهاب المجتمعات وتدميرها.
**السودان الحديث: تزايد حالات الاغتصاب خلال النزاع الحالي**
مع اندلاع النزاع في أبريل 2023، تفاقمت حالات الاغتصاب في السودان. في مناطق مثل الجنينة ونيالا، سجلت المرافق الطبية حالات عديدة من الاغتصاب، بعضها يتضمن أطفالاً. يشير الخبراء إلى أن عدم التبليغ عن الحالات يعزى إلى الخوف من الوصمة الاجتماعية، وعدم توافر الرعاية الطبية والنفسية اللازمة.
إن استخدام الاغتصاب كسلاح في النزاعات المسلحة ليس مجرد فعل من أفعال العنف، بل هو استراتيجية ممنهجة تهدف إلى تخويف وإذلال الأعداء، وتدمير الروابط الاجتماعية والثقافية. تتطلب مواجهة هذه الظاهرة جهوداً دولية ومحلية منسقة لضمان تقديم الدعم اللازم للضحايا، وتعزيز العدالة ومحاسبة الجناة. إن تبني سياسات فعالة لرصد وتوثيق الانتهاكات يمكن أن يسهم في الحد من هذه الجرائم الوحشية وضمان حماية حقوق الإنسان في مناطق النزاع.